تكريت هي واحدة من المدن العراقيّة الواقعة على الضفّة اليمنى لنهر دجلة، وهي تبعد عن مدينة بغداد العاصمة حوالي مئةً وثمانين كيلومتراً إلى الشمال منها، وتبعد عن مدينةِ الموصل العراقيّة حوالي ثلاثمئةٍ وثلاثين كيلومترا باتجاه الجنوب. تقع مدينة تكريت على حافةٍ شديدة الانحدار على ضفة نهر دجلة، ويتراوح ارتفاعها ما بين خمسٍ وأربعين إلى خمسين متراً.
تمتازُ المدينة بأنّها شبه متموجة، وهي ترتفع عن سطح البحر حوالي مئةً وعرة مترات، وتخترقها الشعاب والأودية، الانحدار الطبيعيّ لأرضها يمتدّ من الغرب باتجاه الشرق ممتداً داخل الهضبة الغربيّة بمسافاتٍ متفاوتة، ومن أوديتها روميّة وشيشين ويقعان في جنوبها، أمّا من وديانها الشماليّة: الزلة، والقائم الكبير، وخر الطير، وفي المدينة القديمة وادٍ يخترقُها يسمى الخر، تجري في تلك الوديان مياه الأمطار التي تصل إليها بعد سقوطها من مسافاتٍ بعيدة لتصبّ في نهاية الأمر في نهر دجلة.
محطّات من تاريخ تكريت العريقورد ذكر مدينة تكريت في النصوص الآشوريّةِ القديمة، وفي كتابات الملك الأشوري (توكلتي ننورتا). وقد جاء ذكر المدينة للمرة الأولى على رقيمٍ طيني تمّ العثور عليه في أحد المواقع في مدينة آشور، وقد أرّخ هذا الرقيم في السنة السادسة من حكمِ الملك توكلتي.
يتضمّن الرقيم الطيني وصفاً لحملة الملك التي قام بها ضدّ منطقة وادي الثرثار، ثمّ نهر دجلة، وتلته بلاد الفرات وبابل ووادي الخابور الواقع في الجمهوريّة العربيّة السوريّة، وكان الهدف المذكور من تلك الحملة هو إظهار قوّة وعظمة الدولة الآشوريّة وفرض هيبتها، وقد أشار الملك في سرده لتفاصيل تلك الحملة إلى مدينة تكريت كمنطقةٍ كانت تقطنها القبيلة البدويّة الآراميّة، وقد ذكر المختصّ بالكتابة المسماريّة (س هورن) إلى أنّ مركز المدينة التي استوطنتها قبيلة (إيتوا) يسمّى (إيتو)، وهي مدينة تكريت الحاليّة.
سكنت القبيلة المذكورة سابقاً في المنطقة الممتدّة على ضفّة الجانب الغربيّ لنهر دجلة في المنطقة التي تنحصر بين تكريت وبغداد، وبعد أن أصبحت تلك القبيلة تشكّل خطراً على الدولة، قام الملك بحملته تلك ضدها، وأعقبه الملك (عداد نيراري)، الذي قام بحملةٍ عسكريّة لمقاتلة القبيلة الآراميّة التي تقطن المدينة. جاء ذكر المدينة أيضاً في كتابات ابن جبير الذي قال عنها: ((هي مدينةٌ كبيرة واسعة الأرجاء فسيحة المساحة، حفيلة الأسواق كثيرة المساجد، أهلُها من المتميّزين عن الموازين من أهل بغداد، ودجلة منها في جوفها)). من القبائل العربيّة التي سكنت المدينة قبيلتا أياد وتغلب.
تكريت في العهد المسيحيّتنازعت العديد من القوى على مدينة تكريت، من بينها الرومانُ والفرس، وتشيرُ المراجع إلى أنّ الديانة المسيحيّة دخلت المدينة في وقتٍ مبكر من ظهورها على يد عددٍ من المبشرين النساطرة، وبعد السيطرة الرومانيّة المسيحيّة عليها حاولوا الإفادة من موقعها بوصفه واحداً من ثغور الدولة الرومانيّة الهامة لتحويله لظهيرٍ مناصر لهم في مواجهة الفرس، من جانبٍ آخر فإن مناصرة الفرس للنساطرة باءت بالفشل في مواجهة المذهب اليعقوبي الذي كان الرومان يناصرونه، فتحولت المدينة إلى مقرٍ للمفريات.
بقيت المدينة تحتَ السيطرة الرومانيّة حتى جاءت الفتوحات الإسلاميّة، وعلى الرغم من هذا فإنّ المدينة بقيت واحدة من المراكز المسيحيّة الهامّة حتّى العام ألفٍ ومئة وأربعةٍ وستين، حيث نازعتْها مدينة الموصل على مكانتها ونقل اليها كرسي أو مقر (المفريان اليعقوبي)، وقد شيّد في المدينة العديد من الكنائس والأديرة، ومن أبرزها (الكنيسة الخضراء)، وبقيت آثار تلك الأديرة ماثلةً في مواقع مختلفة من المدينة القديمة حتّى فترةٍ متقدمة من القرن الماضي.
تكريت في العهد الإسلاميّاستولى المسلمون على مدينة تكريت في القرن السادس للميلاد، بقيادة عبدالله بن مالك بن المعتّم العبسيّ، الذي تقدم إليها في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب، وقبل فتح المدينة فرض المسلمون عليها حصاراً طال جميع جهاتها بمدة أربعين يوماً، وذلك بسبب التحصينات العالية التي تميّز المدينة حيث كان يحيط بها سورٌ عظيم يعقبه خندقٌ واسع.
بعد مضيّ أربعين يوماً جاء وفدٌ يمثّلُ قبائلَ المدينة أياد وتغلب ونمر الذين يعتنقون الدين المسيحيّ، وتوجهوا لقائد جيش المسلمين طالبين منه السلم لعرب المدينة، ومشهرين فيه إسلامهم، كما أخبروه بالوضع الحرج للروم فيها وصعوبة موقفهم، وبعد هذا اللقاء انتهى الحصار على المدينة التي دخلها المسلمين، وأهلكوا الروم هناك.
غزا المدينة تيمور لانك قائد المغول، وقام بنهبها وتدمير أجزاء كبيرة منها، كما فعل المغول بالمدن الأخرى التي غزوها على امتداد حملتهم إلى الشرق.
المقالات المتعلقة بمدينة تكريت القديمة